كيف رسم الراحل الدكتور نبيل فاروق ملامح شخصيات بطلاته

كيف رسم الراحل نبيل فاروق ملامح شخصيات بطلاته

ولكي نفهم تحديدا كيف كون الكاتب صورته عن المرأة، لابد وأن نشير إلى أن عمله الأصلي كطبيب، ساعده كثيرا على الاحتكاك بمختلف المشكلات التي تواجهها المرأة التي عرفها في الريف، الذي عمل فيه، وفي المدينة التي قضى فيها بقية حياته، إلى جانب احتكاكه بالقراء ومشكلاتهم، ذكورا وإناثا، من خلال معرض القاهرة للكتاب كل عام، ومن خلال مراسلات القراء لإحدى سلاسله الشهيرة «كوكتيل».

البداية كانت مع “رجل المستحيل”، التي تعتبر أشهر سلسلة قصص بوليسية عربية؛ إذ نجد أن الظهور النسائي في حياة بطلها الرئيسي، أدهم صبري، رجل المخابرات المصرية، كان قويا وملحوظا.

فصورة حبيبته، منى توفيق، ظهرت معه على خلفية غلاف كل أعداد السلسلة، وكأنه يقول وبشكل واضح: إن أدهم لم يصنع بطولاته وحيدا، بل إن الغلاف يجسد المثل الشهير الذي يقول “وراء كل رجل عظيم امرأة”، وامرأة أدهم تقف خلفه دون أن تتوارى، بسترتها الوردية، وربطة عنقها الخضراء وشعرها الأسود المنسدل.

إنها منى توفيق، زميلته في المخابرات المصرية المدربة على أعلى مستوى، والتي لم يفقدها عملها الصعب أنوثتها، وأعطاها الكاتب ملامح مصرية كما يبدو جليا من الغلاف.

ومع ذلك، يرى بعض القراء أن المرأة في حياة أدهم صبري هي صورة نمطية للفتاة العربية الخجولة، المحبة، مرهفة الحس التي تقف “خلفه”، والتي كثيرا ما كانت تظهر في صورة المرأة الضعيفة، التي يستغلها العدو للإيقاع بالبطل كعادة الأفلام البوليسية، لتتحول منى إلى نقطة ضعف أدهم صبري.

لكن يبدو أن تطور الكاتب في قراءته للمرأة، مع نضج خبرته، دفعه إلى تقديم شخصية مخابراتية أخرى ربما كانت أكثر حنكة من منى بل وأكثر جمالًا من وجهة نظر منى التي كانت تراها غريمتها، فـجيهان فريد، شابة بيضاء البشرة، بشعر ذهبي وعينين زرقاوين، وكانت تلك الشقراء التي يعتمد عليها أدهم في عملياته المخابراتية.

ربما جاءت في وقت متأخر لتكسر الصورة النمطية للمرأة الضعيفة حتى في مجال المخابرات، إلا أنها وكما يقول المثل “أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا”.

هناك أيضا “هويدا كمال”، التي عملت معه مرات معدودة، قبل أن تختار تغيير مجالها لتصبح ممثلة، و”نادية سيف الدين”، العميلة المصرية في إسرائيل والتي شاركت أدهم مغامراته في ثلاثية “الأصابع الذهبية” و”المستحيل” و”اللمسة الأخيرة”، وكانت تدعى هناك راشيل فريمان.

لا يبدو أن المرأة المصرية، في عيني نبيل فاروق، كانت مهيضة الجناح، لكن يبدو أنه، عن قصد أو بدونه، أراد أن يقدم أكثر من نموذج يجسد الظهور الحقيقي للمرأة في المجتمع المصري والعربي – الظهور الذي يتأرجح بين القوة والضعف، والنمطية والتحدي، والعاطفة والعقلانية.

اما بخصوص المرأة الشريرة وعلى الجانب الآخر، قدم نبيل فاروق شخصيات معادية تجسد الشر في المرأة، على رأسهن، سونيا جراهام من الموساد، عدو أدهم اللدود، التي أظهرها الكاتب شخصية شديدة التعقيد؛ فهي شديدة العداء لأدهم وشديدة الحب له في الوقت ذاته، حتى أنها استغلت فقدانه ذاكرته في فترة ما وتزوجته. وكأن هويته المصرية هي ما كانت تحول بينهما – ما يعكس نظرته عن صراع المرأة بين العاطفة والعقل.

أما كلوديا موريس أو من اشتهرت بـ”السنيورا”، وﺟﻮﺯﻓﻴﻴﻦ مونييه فشكلّا مع سونيا جراهام ثلاثيا حاول السيطرة على العالم من خلال منظمة أطلقن عليها “منظمة ملائكة السلام”، ما يعكس أيضا هذا التناقض النسائي في الشر المطلق الذي يتخفى في ثياب السلام.

Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!

زعامة المرأة للمنظمات العالمية أيضا تجلت في شخصية “دونا كاروليا”، التي قدمها الكاتب كأول زعيمة للمافيا من النساء، بعد أن قضى أدهم صبري على كل الزعماء الرجال، والتي بدأت علاقتها بأدهم بالعداء قبل أن ينقلب عدو الأمس صديقا.

Comments
Loading...

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept